الأميرة نيفين عباس حليم (للكل):


الأميرة نيفين عباس حليم (للكل):
والدى أنفق آخر مليم على تجديد بيت الإسكندرية بعد مصادرة الثورة له
الأسرة تنقرض لأن الأمراء المفلسون رفضوا الزواج وإتعاس أبناءهم معهم


فى شارع طويل .. رفيع وضيق تمتد على جانبيه عمارات عالية لا تلفت إنتباه سكان منطقة الرمل.. تقع فيلا النبيل عباس حليم حفيد محمد على باشا الكبير  حيث لا زالت إبنته الكبرى البرنسيس نيفين تعيش فيها .. الفيلا نفسها لا تلفت الإنتباه .. فالسور الكبير الذى يحيطها يخفى طابقيها الصغيرين وحديقتها الواسعة التى تزيد على الثلاثة أفدنة بلا نباتات نادرة إلا اشجار فيكس عملاقة عمرها يزيد على 75 سنة .. على باب الفيلا إستقبلتنا الأميرة نيفين المأخوذ إسمها من اللغة الإسبانية والذى يعنى "الشديدة البياض ".. كان تحديد موعد معها صعبا ليس لأنها أميرة فقد تناست ذلك منذ زمن طويل لكنها ببساطة لا تحب أن يرى بيتها الغرباء .. فى صالة الإستقبال المربعة المطلة على الحديقة تشعر بأنك فى زمن مختلف .. لوحات كثيرة كالحة نوعا تحمل وجوه بعض الأمراء خاصة البرنس أو النبيل عباس حليم وزوجته الأميرة توحيدة إضافة إلى رؤس لحيوانات محنطة بينها رأس جاموس مصرى كبير الحجم .. أشياء تعتبرها البرنسيس عادية وتافهة ..لكن أصرت الثورة على حصرها وجردها ونزع ملكيتها من عائلتها حتى لم يتبق لهم شئ..ولو المقاعد التى يجلس عليها الضيوف.. لكن ذلك لم يعكر صفو الحديث.

تقول نيفين عن والدها :لم يكن أبى يملك الكثير .. كان مفلسا .. تأتى نفقاته من إدارة الخاصة الملكية .. أما والدتى فكانت أكثر ثراءا لكنها لم تترك خلفها شئ يذكر ..حتى بيتها فى جاردن سيتى باعته قبل الثورة.. فى صغرنا تعلمنا اللغات الألمانية والفرنسية والإنجليزية والتركية والعربية ولم نشعر بفارق بيننا وبين ابناء الأمراء الأثرياء.. ناصر ابى العمال وطالب بحقوقهم وإجتمع بهم فى بيتنا بجاردن سيتى وعندما جاء البوليس هاجموه وتغلبوا عليه .. وخرجوا فى مظاهرة بالترام قاد ابى أول عرباتها .. لكن الملك فؤاد أمر بالقبض عليه ونزع منه اللقب .. فأضرب أبى عن الطعام حتى أفرج عنه لكن لم يسترد اللقب سوى فى عهد فاروق الذى"خرف" وأغضبت تصرفاته أمراء الأسرة خاصة بعد سنة 1943 وإكتفوا بمقاطعته دون أن يتخذوا ضده أى إجراء حتى عندما قامت الثورة ظن الجميع أن احوالهم ستظل كما هى وأن الجيش سيتبع أوامرهم .. لكنهم لم يفهموا أن وجود أمراء يستلزم وجود ملك ما عدا أبى الذى ذهب إلى فاروق فى قصر راس التين طالبا منه عدم التوقيع على وثيقة التنازل .. وقتها ظن على ماهر باشا أنه " هيمشى الدور لكن خلاص ابدا "

وعندما غادر الملك مصر إكتشفنا أن كل الناس كانت تكرهه رغم أنه لم يكن سيئا كغيره لكن "كمبين" كرهه فقال الشعب " إحنا كمان نكرهه"

تتذكر البرنسيس نيفين تلك الأيام كأنها لم تكن طرفا فى الأحداث فتقول : وقتها قال أبى وأمى أن مصر هتطق فجمعت أمى بعض الأشياء وسافرت إلى أمريكا وصادرت الثورة الفيلا لكنها سمحت لأبى بالعيش فيها .. وبدلا من أن يحافظ على أمواله القليلة ظل يجدد فى الفيلا حتى آخر مليم .. وقتها كاد  النبيل عباس حلمى أن يصبح غنيا بميراث من عمته الثرية  لكن صادرت الثورة ممتلكاتها .

فى سنة 1961 قررت طلب الطلاق من زوجى صلاح العرابى الذى لم يكن لحسن الحظ من العائلة الملكية وإلا كنا وجدنا أنفسنا فى الشارع .. وكنت مصابة بمرض فى القلب ولم أنجب .. بعدها سافرت إلى سويسرا وكان لدى حظ طيب فعملت كمساعدة لفيليب موريس صانع السجائر الشهير ولم يكن أحد يعرفنى حتى شاهدتنى سيدة من الإسكندرية كانت تعمل معنا وأخبرت فيليب الذى أخبر الجميع .. بالطبع أعطانى هذا نوع من التميز لكن فى أوروبا التقدير الحقيقى للإنسان يأتى بعمله وليس بنسبه .
بعد ذلك عدت إلى الإسكندرية لأرى والدى عندما وفرت ثمن التذكرة فى عام 68 ثم عدت فى 1971 لأرى والدى المريض قبل وفاته فى عام 1972 وجاءت أختى أوليفيا أو علوية من إيطاليا لتحضر الجنازة وظل شقيقنا محمد على يبكى فى أمريكا لأنه لم يستطع توفير ثمن تذكرة الطائرة .
وقتها أرادت الحكومة إسترداد البيت لكن جيهان السادات طلبت من زوجها أن يتركه لنا فتركه مدى الحياة وعين له حارسا –تعنى خفيرا- وعندما توفيت شقيقتى جاء موظفون وجردوا كل شئ ثم تركوه لنا .. والحمد لله أنهم لم يأخذوه .. لكنها تتسائل : إذا كانوا يحبون محمد على باشا ويتحدثون " كويس" عن فاروق ونحن من صلب العائلة فلماذا لا يتركوا لنا بعض الأشياء خاصة أن عددنا ليس كبيرا بسبب عدم الزواج والإنجاب لأننا جميعا مفلسون حتى أخى قال أنه لن يتزوج حتى لا ينجب ويتسبب إفلاسه فى تعاسة أبناءه .. وتستطرد قائلة : غير مسلسل الملك فاروق نظرة الناس له وأصبح إبنه احمد فؤاد يلقى ترحيبا من المسئولين .

وتستطرد قائلة :عبد الناصر كرهنا والسادات غير البلد والشعب المصرى تغير لكن الأخلاق أصبحت سيئة فى العالم كله والبعض قد يقتل أمه نفسها " عشان الفلوس" لكنها تؤكد " المصريين قلبهم "كويس قوى" ومها حزن يكفى أن تضحكه فتتغير ملامح وجهه كله .

وعن كتابها " أميرة مصرية تتحدث" تقول : اكتب مذكراتى من عمر ثماني سنوات ووجدت مذكرات لجدى ولوالدى وبعد تقاعدى فكرت أن أكتب بدلا من الجلوس أمام التليفزين وحاولت أن أنشر الكتاب فى لندن عدة مرات حتى جاءت إحدى صديقاتى وعرضت الأمر على شريف برعى صاحب دار نشر زيتونة والذى قرأ وطلب إجراء تعديلات منها عدم ذكر اية فضائح عائلية وحذف تاريخ محمد على لأن الجميع يعرفه .. و" العملية مشت" وأعطانى البرعى "فلوس" وطلب من تأليف كتاب آخر عن نفسى لكنى لن أفعل ذلك ولن اتحدث عن أسرار العائلة .

وبسعادة خفية تقول البرنسيس نيفين : أقمت حفل توقيع فى الكونتنتال فى القاهرة ودعوت أكثر من مائة فرد من الأصدقاء ومن العائلة.. تنظر فى عينى مباشرة هامسة " تعرف أشخاص سبعين وتمانين سنة " معظمهم جاؤا ولم اتوقع أن يكونوا على قيد الحياة .. حتى أبناء ابناء عمومتى جاؤا وكان شيئا جميلا.

ومن اصدقائها المقربين تذكر مدام دوسييٍه دى ساب ومدام فرغلى وبسبب اصدقاءها وذكرياتها فى مصر تؤكد أنها لولا نفقات العلاج الباهظة فى مصر ووجود تأمين صحى لها فى أوروبا " لبقيت هنا على طول" وبدون تفكير تقول " طبعا سأموت هنا "

كانت البرنسيس نيفين سلسة الحديث لكنها اعترضت على سؤالى الأخير ووصفته "بالبايخ " قبل أن تجيب بحزن : لو عاد بى الزمن لم أكن سأطلب الطلاق ولم أكن سأسافر رغم ان زوج أختى زج به فى السجن ولم يعرف أحد لماذا وهو نفسه لم يتحدث .

أخيرا تقول : رفضت الذهاب فى جولات سياحية فى الإسكندرية لأن المكان الوحيد الذى أجدد فيه ذكرياتى هو المنتزة – تعنى حدائق المنتزة الملكية – وعموما لا زلت سعيدة بكل شئ .

0 التعليقات:

إرسال تعليق