تفاصيل خطف الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام داخل ليمان طرة علي يد روبين هود الإسكندرية


تفاصيل خطف الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام داخل ليمان طرة علي يد روبين هود الإسكندرية

الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام 
بقلم:تامر صلاح الدين
إضغط لتكبير الصورةبالنسبة لأهالي الإسكندرية، هذه قصة استثنائية لرجل من طراز خاص، قضي 22 عاما خلف أسوار السجون، وعندما أصبح حرا، خرج ليحمل لقب «روبين هود» السجون المصرية، بعد أن تنقل داخلها لما يقرب من 26 مرة، بسبب مشاغباته للمطالبة بحقه هو وزملائه في حياة كريمة، وبالطبع دفع هو وحده ثمنا لهذه المشاغبات، والتي منحته تجارب مميزة في سجون مصر، وتركت له مشاعر خاصة في نفوس زملائه.


 نبيل البواب روبن هود الإسكندرية
وبعد رحلة طويلة من المشاغبات في السجون، وصل «نبيل توفيق البواب» الشهير بـ«روبين هود» السجون إلي عنبر «التجربة» المميز في ليمان طرة وكانت «شقاوته» الأخيرة التي قادته إلي هذا العنبر هي نجاحه في كشف جريمة قتل، ارتكبها ضابط وخمسة صولات في حق مسجون سكندري آخر بسبب رفضه تنفيد تعليمات الضابط الصغير له بأن يقول «أنا مرة» أمام السجناء، ووقتها قام طبيب مستشفي السجن بتشخيص سبب الوفاة باعتبارها ناتجة عن هبوط حاد في الدورة الدموية، فقرر نبيل البواب أن ينتقم للقتيل بشكل قانوني فحرض آلاف المساجين علي عدم اعطاء التمام والعودة لزنازينهم كما أعلنوا إضرابهم عن الطعام لحين ابلاغ جهات التحقيق بواقعة مقتل زميلهم، والتي حققتها النيابة العامة من سجن وادي النطرون «2» وبالفعل نجح اضراب البواب في محاكمة الضابط والصولات وطبيب المستشفي وحصل كل منهم علي أحكام بالسجن تتراوح بين خمس وسبع سنوات.

بعد هذه الواقعة صدر قرار بنقل نبيل البواب إلي ليمان طرة للحبس في زنزانة منفردة داخل عنبر التجربة الذي لم يكن يضم سوي 15 مسجونا من المشاهير بينهم أحمد الريان والسويركي وشخصيات عربية وأجنبية مهمة تحظي بمعاملة خاصة في محبسها.

وفي هذا العنبر جاءت زنزانة نبيل البواب مجاورة تماما لزنزانة الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام متعب، والذي وصفه لنا نبيل البواب بأنه كان مثقفا، حيث خصصت له إدارة السجن 3 زنازين إحداها كمكتبة والأخري للنوم والثالثة لتناول الطعام، يقول نبيل البواب أحد فتوات الإسكندرية «لم نكن نري عزام إلا في أيام الزيارة الأسبوعية له يزوره عدد من أقاربه أو السفير الإسرائيلي في القاهرة، وعقب كل زيارة كان عزام يقوم بتبادل الأطعمة والهدايا مع مساجين عنبر التجربة مثلما يفعل الجميع عقب كل زيارة، ولم نكن نعرف بالطبع ما الذي يفعله عزام عزام بالأطعمة والمشروبات التي كنا نقدمها إليه، خاصة أن «زيارته» كانت تمتلئ بالأطعمة والسجائر الفاخرة والمياه المعدنية المستوردة مثل مياه «أفيان» الفرنسية التي كان يغسل بها ملابسه، بالإضافة لذلك كان عزام عزام يحظي بحراسة أمنية مشددة إلي درجة أن قفل زنزانته كان «هيدروماتيك» وكانت نسخ مفتاحه مع ثلاثة ضباط فقط، وبعد عامين من مجاورة زنزانة عزام عزام، نجح في جذبه إليه، ووقتها كنت أحفظ خمس آيات قرآنية يوميا، وعندما علم عزام بذلك ساعدني علي حفظ سورة «الواقعة» كاملة وكان عزام حريصا علي القراءة بشكل يومي، وكانت لديه القدرة علي التحدث في أي قضية ويمكنه أن يشعرك بأنه مسلم أو مسيحي، وفي إحدي المرات بدأ عزام يحدثني عن البهائية، وعندما لاحظ جديتي في الصلاة وحفظ القرآن، بدأ يستدعيني من زنزانته ليعرض علي أن أشرب معه ويسكي «كينج أوف كينجز» وبدأ يحاول أن يكسب صداقتي بكل الطرق بعدما عرف سبب مجيئ لعنبر التجربة والذي لم يكن بين سجنائه سوي ثلاثة جنائيين فقط.

وقتها لاحظ نبيل أن عزام لا يحب أن يرفض أي شخص له طلبا، حيث كان يستخدم إغراءات عديدة لينصاع له الجميع، ووفقا لما يقول البواب فإن عزام عزام لم يكن جاسوسا عاديا، فقد كان ضابطا في الموساد الإسرائيلي مهمته الرئيسية تجنيد العملاء في المجالات الاقتصادية وقد سبق سجنه في سويسرا قبل أن يسجن في مصر.

كانت زنازين عنبر التجربة بليمان طرة تضم الكثير من وسائل الراحة مثل المراوح البلاستيكية الصغيرة والتليفزيونات، أما زنزانة عزام فكانت الوحيدة التي تحظي بمروحة سقف كبيرة، وكان التليفزيون الصغير الموجود في زنزانة نبيل البواب هو سر مقاطعته لعزام لأكثر من ثلاثة أشهر خطط خلالها لخطفه وقتله، بعد أن شاهد في نشرات الأخبار قتل قوات الاحتلال الإسرائيلي للطفل محمد الدرة في ديسمبر 2000.

يقول نبيل «بعد هذا الحادث رفضت تبادل الزيارة أو الحديث مع عزام وكلما حاول أن يتكلم معي كنت اشتمه، وكلما كنت أخطط لخطفه أجد ثغرات في الخطة خاصة أن عنبر التجربة لم يكن به جنائيون كثيرون، لكنني اكتشفت أن اللحظة الوحيدة المناسبة لتنفيذ الخطة هي وقت عودة عزام من الزيارة، لأن سجناء عنبر التجربة يكونون وقتها خارج الزنازين كما تسمح الحراسة بتشارك المساجين للزيارة وفقا لعرف السجن، ولم أكن استطيع تنفيذ الخطة بمفردي كما كانت تلزمني بعض الأدوات الضرورية، وأيضا لم أكن استطيع تنفيذ الخطة واحتجازه في زنزانتي التي يسهل فتحها.. وفي هذا الوقت كان أثرياء السجن يعرفون أنني أقوم بتوزيع الطعام والأدوية علي الجنائيين الغلابة، فذهبت لأحد الأثرياء وأخذت منه 4 علب مبيد حشري، وحقنتي أنسولين بحجة توزيعها علي الفقراء، وأضفت إليها بعض الأوساخ لأقتل بها عزام، وقبل دقائق من انتهاء الزيارة أخبرت سجيناً جنائياً آخر يدعي «ميمي بحرية» وهو من الرمل بالإسكندرية بخطتي، وفوجئت به يهتف في العنبر ضد عزام وإسرائيل التي قتلت محمد الدرة، وأدركت وقتها أنه يقوم بإلهاب مشاعر المساجين الآخرين حتي لا يتدخلوا عندما نبدأ تنفيذ الخطة، وبعدها ظهر عزام بين حراسته وبدأ في توزيع الهدايا القادمة له، وعندما اقترب مني لاهدائي بعض الطعام وقفت بصورة طبيعية أمام زنزانته وإلي جواري ميمي بحرية، وتظاهرت بأنني سأقبل هديته، وعندما اقترب مني سيطرت عليه بمساعدة زميلي وسحبناه داخل زنزانته، وأغلقت الباب المصفح لكنني تسببت في إصابة أحد ضباط الحراسة بكسر في ذراعه عندما حاول انقاذ الجاسوس الإسرائيلي لأنه في عهدته، وقد رفض هذا الضابط أثناء التحقيقات اتهامي بالتسبب في إصابته حتي لا أحاكم بتهمة إضافية.

ورغم الإجراءات الاستثنائية التي واجهتها بعد ذلك، إلا أنني شعرت أن كل ضباط السجن الذين اشتركوا في مهمة تحرير الجاسوس الإسرائيلي لديهم مشاعر وطنية عالية، كانوا علي استعداد للقيام بأي عمل لإنقاذ عزام عزام، وفي نفس الوقت كانوا حريصين تماما علي سلامتي وسلامة زميلي ميمي بحرية، وكانت عملية الاختطاف هي المرة الأولي التي أدخل فيها زنزانة الجاسوس فقمت بتجريده من ملابسه تماما ووضعت مشنقة منها حول رقبته وأوقفته علي مائدة صغيرة في زنزانته وربطت طرف المشنقة بمروحة السقف فأدرك عزام أن أي حركة منه ستؤدي إلي موته شنقا، وبعدها أخذت الزجاجات البلاستيكية، وقمت بإحراقها علي أطراف الباب ليصعب فتحه من الخارج، وفي هذه اللحظات سمعت قوات السجن تخلي المسجونين من عنبر التجربة، ولأول مرة في حياتي أري قوات مكافحة الإرهاب الدولي التي حضرت إلي السجن في لحظات وهي مسلحة بفرق من الكلاب البوليسية ورشاشات صغيرة وكانوا يرتدون أقنعة الغاز، وعندها أدركت أنني سأموت رميا بالرصاص فأخرجت إبرتي الأنسولين واقتربت من عزام الذي بدأ في الصراخ والنداء علي بعض الضباط في الخارج فاضطررت لضربه حتي أجبره علي الصمت، وبدأت في الحديث مع ضابط كبير من خلال «النضارة» شباك صغير في باب الزنزانة والذي أخبرني أن مصر تحتفظ بهذا الجاسوس كورقة للضغط علي إسرائيل لأن السلطات المصرية تعرف أهميته لدي الموساد، وأن تهديد حياته يعني أن تفقد مصر هذه الورقة التي قد تسهل حياة الفلسطينيين والمصريين في السجون الإسرائيلية وأخبرني أيضا أنه يضمن لي بصفة شخصية ألا يصيبني أحد بأذي إذا قبلت تحرير الجاسوس الإسرائيلي، بعد حوالي ست ساعات قررت فك المشنقة من رقبة الجاسوس الإسرائيلي وسمحت له بالجلوس وبدأت في إزالة المتاريس التي وضعتها خلف باب الزنزانة، ووقتها طلب الضابط الكبير مني الابتعاد عن الباب وطلب برجولة نادرة أن تنسحب قوات مكافحة الارهاب الدولي، ثم قاموا بفتح الباب، وبعد تركي الجاسوس لم تحاول إدارة السجن أن تنال مني لكنهم نقلوني إلي عنبر آخر يسمي أيضا «التجربة» وهو حبس انفرادي لا توجد به أي وسائل للرفاهية.

وفي اليوم التالي حضر شخص مهم جدا من النيابة العامة يعتقد نبيل البواب أنه النائب العام شخصيا واصطحبه عدد من الضباط مع ميمي بحرية إلي غرفة اجتماعات السجن التي شددت داخلها الحراسة بأمناء الشرطة وبالكلاب البوليسية وكان علي الطرف الآخر من مائدة الاجتماعات الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام، وسمحت إدارة السجن لهم جميعا باحتساء القهوة وتدخين السجائر، وعندما وجه «المحقق» أول الأسئلة للمتهم الأول نبيل البواب فوجئ الجميع بميمي بحرية يقول إن ما حدث كان باتفاق بينه وبين عزام عزام الذي كان يريد الانتقال لسجن آخر، وأنه كان يعرف أن السلطات المصرية سترفض طلبه، ووقتها لم ينطق عزام بكلمة واحدة، فتم اسقاط تهم اختطاف مسجون واحتجاز رهينة بدون وجه حق ومقاومة السلطات من داخل الأسوار وتعطيل سلطات الأمن عن ممارسة مهامها في حراسة المسجونين وتعمد اشعال حريق، واكتفي المحقق بقرار حبس نبيل وعزام وميمي لمدة 4 أيام عقب إطلاق سراحهم من العقوبة المقررة ضدهم، ومع ذلك أرسل المحقق لنبيل البواب صندوق سجائر مارلبورو ووفرت له إدارة التجربة فرخة كاملة يوميا، وبعد هذه الواقعة تم نقل عزام إلي سجن وادي النطرون لحين إعادة ترميم زنزانته، وتم نقل نبيل البواب إلي سجن طنطا العمومي ومنه إلي سجن برج العرب وهناك أسس نبيل البواب فرقة الانشاءات التي تولت بمعاونة الضباط بناء 24 مسجدا في عنابر السجن المختلفة وتولت الطلاء وصيانة مرافق السجن، كما ظل نبيل مسئولا عن توزيع الأدوية والأطعمة علي فقراء المساجين والاهتمام بمشاكلهم، وفض نزاعاتهم لذلك رسم السجناء صورته علي مدخل سجن برج العرب للتعبير عن تقديرهم له.

0 التعليقات:

إرسال تعليق