عشاق كتبوا التاريخ وغيروا العالم
عشاق كتبوا التاريخ وغيروا العالم
به صنعت كليوباترا مجدها على جثث ضحاياها وكتبها التاريخ عاشقة منتحرة
كتب ماو أشعارا رفعت حرارة الكرامة فصنع الصين المعاصرة وبالعشق بنى محمد على مصر الحديثة
العشق غواية مات بها عباس بن فرناس وصنع بسببه هنرى فورد أول سيارته وبه أسسنا الكل
تامر صلاح الدين
العشق مدهش ..مزلزل .. يحدث إنقلابا فى تاريخ البشرية .. وفى حياة البشر.. يحول الحقائق إلى سراب أحيانا .. ويجعل من الزيف صدقا .. لكنه فى كل الأحوال يجعل كيمياء العالم مختلفة .. يأتى بلا ترتيب ليضع العشاق فى سياق لم يقدروه لأنفسهم ولم يحلموا به .. العشق صدمة كاشفة .
أحبت كليوباترا السابعة المجد فصنعت تاريخها بالرشوة والبذخ والمؤامرات وسحر الحديث، حارب من اجلها كل قادة عصرها.. لا لينتصروا على أعداءها وإنما ليثبتوا أنهم جديرون بحبها لهم .. فالنصر قوة ينحنى لها الضعفاء وإمرأة مشتعلة مثلها تعشق من يمسك نارها بيديه ليتوهجا معا فوق أجساد الضحايا.. سعى ورائها يوليوس قيصر .. القائد الرومانى العظيم .. هزم من أجلها جيوش الإسكندرية بقيادة مارك أنطونيو الرجل الوحيد الذى ظن العالم أنها تعشقه وستبيع ممالكها من أجله .. فإنتحر بعد هزيمته وإنتحرت فى نفس التوقيت .. فالحياة أصبحت بإنكسار أحلامهما مجرد سجن .. يتحولان فيه إلى دمى يلهو بها المنتصر أمام شعبه فى روما .. قتل أنطونيو نفسه حتى لا يصبح أسيرا تحرقه هزيمته مثلما يحترق قلبه.. وقتلت كليوباترا نفسها لأنها أرادت ألا تموت عبدة يضحك من أسرها السكارى فى موكب النصر ..لكن نسى التاريخ دماء آلاف البسطاء الذين قتلوا بسبب اطماع القادة .. وتذكر الناس فقط قصة عشق تتكرر بصور مختلفة على مر العصور .. روميو وجولييت .. قيس وليلى .. حسن ونعيمة .. وآخرين .
والعشق ثورة .. تحد .. ومجازفة .. تحول الحالم إلى قائد .. والشاعر إلى مقاتل .. تكرر ذلك أيضا عدة مرات على مر الزمن .. عشق أحمس تراب وطنه فدرب جيشا حارب به الهكسوس ماحيا دولة لصوصيتهم من التاريخ بعد أن تركوا ندبة قبيحة على وجه العالم القديم .. عشق ماو تسى تونج فلاحى بلاده فكتب لهم اشعارا رفعت حرارة كرامتهم فخرجوا بأدوات بدائية إنتقلوا بها من قرية إلى أخرى مواجهين جيش الإمبراطور حتى تحققت دولة الصين المعاصرة .. نفس الفكرة وبشكل آخر نفذها إرنست تشى جيفارا فى بلاد أمريكا اللاتينية وصار زعيم المتمردين فى العالم .. عشق ضباط مصر الحرية فإنقلبوا على مليكهم .. وعشقوا الوطن فقادوا ثورة تحديثه التى حررت بلادا فى الشرق والغرب والجنوب ووضعت مصر فى مواجهات مع دول كبرى .. فرنسا ..إنجلترا .. أمريكا .. وهو عشق ثائر متحرر كرامته لها أنياب نزعت بالحرب وبالسياسة .
العشق نار لا تهدأ .. ولا تترك أحدا .. حتى الأنبياء .. فلولا تكليفهم من السماء بهداية البشر لقلنا أن عشقهم لله مكنهم من جدل ضفائر الصبر وخيوط الحكمة وحبال التسامح .. ولقلنا أن عشقهم للعدالة والحق والمساواة كان درعا واقيا من ضربات سادة عصرهم وكبراء زمانهم .. لكنهم جميعا كانوا كلمة من الله وهداية من عنده .
والعشق وردة ..كلمة .. نظرة .. تنهيدة تهد جبال المناعة بين عاشق ومعشوق .. تجعل الرجل يحتمل كل سفاسف أحلام الحبيبة محاولا تحقيقها حتى يظنه الناس فاقد العقل والرشد .. ويجعل المرأة تتحمل خشونة عاشق يهمس فى إذنيها بقدرته على غزو العالم وكسر أعناق الرجال وجعل نساء الدنيا عبيدا فى قصرها الذى لا يعرف مكانه أحد .
والعشق مؤامرة محسوبة ومغامرة طائشة .. عشقت نفرتيتى إفريقيا فأرسلت إسطولها مبشرا بالحضارة المصرية .. إسطول سلام وتجارة وإستكشاف فتح الجنوب البكر أمام الشمال الخصب فإنتقلت لغة مصر وكثير من علومها إلى منابع النيل وإلى موانئ البحر الأحمر.
عشقت شجرة الدر الهيمنة فقتلت وحكمت وأحبت وأفنت رجالا ونساءا وحفرت إسمها فى سجلات مخصصة لكبار المتآمرين يقف أمام ذكراها الناس إنبهارا بأعصابها الصخرية. وعشق هتلر الحرب فدمر نصف العالم وقتل فى حربه الملايين من شعبه قبل أى شعب آخر وإنتهى به عشقه قائدا منتحرا يلعنه معاصروه .
عشق محمد على السلطة فى وطن ضعيف محتل فتمكن منه بالمكر والخديعة .. نفى زعماءً .. وقتل قادة .. وأنشأ جيوشا وأساطيل .. غزا بلادا وجزرا .. وصنع إمبرطورية خطط لها بالعلم والعشق والتطوير .. كان واليا ملكا .. وملكا مواطنا .. ومواطنا مبشرا .. أرسل بعثات لتلقى العلم الحديث فى أوروبا .. وجهز حملات وصلت إلى منابع النيل .. عشقه لنفسه نقله لأبناءه ..فواصلوا بناء مصر الحديثة .
العشق جمرة نار لا تنطفئ .. عشق سيد درويش الموسيقى والغناء فتنقل بموهبته بين الإسكندرية والقاهرة وبيروت ودمشق .. عشق بيرم التونسى الزجل فلم يتوقف عن كتابته حتى وهو يعمل فى ملاحات فرنسا مهاجرا منفيا لا يجد ما يأكله .. وهو ما فعله محمد عبد الوهاب مع الغناء والموسيقى وما أنجزته أم كلثوم فى مجال الطرب وما عانت منه فيروز الكبيرة طوال حياتها وهو أيضا نفس ما مكن عبد الحليم حافظ من البقاء حتى الأن فى صور مختلفة .. مطربا وعاشقا .
العشق .. كلمة غير مفهومة تجعل البشر أسارى عشقهم حتى لو كان هواية .. تتحول مع الوقت إلى غواية ..
مثلا توماس أديسون ظل طفلا مشاغبا يتلقى العقاب من والده ومن مدرسيه حتى رأوا أول ضوء لمصابيحه الكهربية وهنرى فورد الذى باع عفش بيته لياكل وظل لسنوات يعود من عمله البسيط ليسهر فى حظيرة ملحقة بمنزله حتى صنع أول سيارة فتبدلت شفقة جيرانه وسخريتهم منه إلى إعجاب ومديح .. وبالطبع العشق لعنة .. أسقطت عباس بن فرناس من شاهق مسحولا بحبه لمحاكاة الطيور.. لكنه ظل أشجع بشرى حلم وحاول وفشل .. ولا يدرى أى عاشق متى يصبح عشقه نعمة ..ومتى يصير نقمة .. لقد عشقنا الصحافة فأسسنا الكل وهى بكل تأكيد نعمة بالنسبة إلينا وإلى صناع تجربتها وكل المشاركين فيها .. لكنها ايضا معضلة مثل العشق تماما .. معادلة حلزونية ما أن تبدأها حتى تجد نفسك فى آخرها .. وما أن تبلغ نهايتها حتى تعود إلى أولها .. وهى تجربة تحاكى تجربة العاشق الذى لا يجدى معه أن يمسك العصا من منتصفها فإما أن يقبض عليها من قمتها وإما أن يرضى بأن يكون تحتها .. لكننا فى الكل قرننا أن نجعل من العصا قفة ذات " ودنين " يحمل فريق التحرير وكل المسئولين عن إعدادها طرفا من أطرافها بشكل منبسط 180 درجة على أن يحمل القراء طرف العصا الآخر بنفس الزاوية اللانهائية وهكذا إن كان لنا أول فلن يكون لنا نهاية حتى لوكتب علينا الرحيل ككل الكائنات لأن الكل ستبقى بقراءها المتواليين مادام على الأرض بشر .. هذه أمنية ونبوءة .. فمن شاء فليلحق بنا ومن أبى فعلينا توصيل طرف العصا إلى ذروة قناعاته .. لأننا بالفعل نتمسك بأننا كل وليس جزء .. نختلف ونتفق على الصالح العام .. نتعارك فى المطلق ونتصالح على النسبى .. مؤمنون بأن ما يدرك كله لا يترك كله ..وعلى الله –سبحانه – قصد السبيل .
esloob alkateb shayek,wa saless.."al koll" ela al 2amam
غير معرف